سورة الملك - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}
البرهان الأول: هو قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات وَيَقْبِضْنَ}.
{صَافَّات} أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها {وَيَقْبِضْنَ} ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
فإن قيل لم قال: {وَيَقْبِضْنَ} ولم يقل وقابضات، قلنا: لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارئ غير أصلي بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح.
ثم قال تعالى: {ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن} وذلك لأنها مع ثقلها وضخامة أجسامها لم يكن بقاؤها في جو الهواء إلا بإمساك الله وحفظه، وهاهنا سؤالان:
السؤال الأول: هل تدل هذه الآية على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله، قلنا: نعم، وذلك لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري للطير.
ثم إنه تعالى قال: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن} فدل هذا على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى.
السؤال الثاني: أنه تعالى قال في النحل [79]: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مسخرات فِي جَوّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله} وقال هاهنا: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن} فما الفرق؟ قلنا: ذكر في النحل أن الطير مسخرات في جو السماء فلا جرم كان إمساكها هناك محض الإلهية، وذكر هاهنا أنها صافات وقابضات، فكان إلهامها إلى كيفية البسط، والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن.
ثم قال تعالى: {إِنَّهُ بِكُلّ شَيء بَصِيرٌ} وفيه وجهان الوجه الأول: المراد من البصير، كونه عالماً بالأشياء الدقيقة، كما يقال: فلان بصر في هذا الأمر، أي حذق والوجه الثاني: أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول: إنه تعالى شيء، والله بكل شيء بصير، فيكون رائياً لنفسه ولجميع الموجودات، وهذا هو الذي يقوله أصحابنا من أنه تعالى يصح أن يكون مرئياً وأن كل الموجودات كذلك، فإن قيل: البصير إذا عدي بالباء يكون بمعنى العالم، يقال: فلان بصير بكذا إن كان عالماً به، قلنا: لا نسلم، فإنه يقال: إن الله سميع بالمسموعات، بصير بالمبصرات.


{أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)}
اعلم أن الكافرين كانوا يمتنعون عن الإيمان، ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان تعويلهم على شيئين أحدهما: القوة التي كانت حاصلة لهم بسبب مالهم وجندهم والثاني: أنهم كانوا يقولون: هذه الأوثان، توصل إلينا جميع الخيرات، وتدفع عنا كل الآفات وقد أبطل الله عليهم كل واحد من هذين الوجهين، أما الأول فبقوله: {أَمَّنْ هذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرحمن} وهذا نسق على قوله: {أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِي السماء} [الملك: 17] والمعنى أم من يشار إليه من المجموع، ويقال: هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الله إن أرسل عذابه عليكم، ثم قال: {إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ} أي من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.


{أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)}
أما الثاني فهو قوله: {أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ}.
والمعنى: من الذي يرزقكم من آلهتكم إن أمسك الله الرزق عنكم، وهذا أيضاً مما لا ينكره ذو عقل، وهذا أنه تعالى لو أمسك أسباب الرزق كالمطر والنبات وغيرهما لما وجد رازق سواه فعند وضوح هذا الأمر قال تعالى: {بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ} والمراد أصروا وتشددوا مع وضوح الحق، في عتو أي في تمرد وتكبر ونفور، أي تباعد عن الحق وإعراض عنه فالعتو بسبب حرصهم على الدنيا وهو إشارة إلى فساد القوة العملية، والنفور بسبب جهلهم، وهذا إشارة إلى فساد القوة النظرية.
واعلم أنه تعالى لما وصفهم بالعتو والنفور، نبه على ما يدل على قبح هذين الوصفين.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10